كان للدعاية
الناصرية قصب السبق في إعلان الحرب على الدعوة الإسلامية، وإلصاق التهم بالخيانة والاغتيال والتخريب بالدعاة , ولا نزال نذكر المذكرة الخطيرة التي أعدتها الأجهزة المعنية بالقضاء على الإسلام في
مصر، ومنذ ذلك الحين حتى اليوم والدعوة في هذا البلد المعروف بالتسامح طوال التاريخ تلاقي من المحن وصنوف الأذى الشيء الكثير، دون أن ينجح ذلك في استئصال التدين من شعب متدين بفطرته.
وأول عملية منظمة - وظَّفت ما سمي فيما بعد (الإرهاب) لتشويه المتدينين - كانت ضد التنظيم الخاص للإخوان الذي اتهمته
الناصرية بالعمالة
للصهيونية والاستعمار، ومحاولة اغتيال
جمال عبد الناصر تلك المسرحية التي لم يصدقها أحد, ولكن أودع العلماء والدعاة في السجون بسببها.
ثم حين وضعت قائمة التهم - لمحاكمة
سيد قطب رحمه الله ومن معه - كان على رأسها ((محاولة اغتيال سفيري
أمريكا و
بريطانيا في
مصر))!! وكأنما أنشأت
أمريكا و
بريطانيا التنظيم وأمدته بالمال والسلاح - حسب الزعم الدائم للدعاية
الناصرية - لكي يقتل سفيريها!!
وانهزمت
الناصرية في كل ميدان، واتضحت الحقائق. وخفتت هذه التهمة أو حُفِظت حتى قُتِل
السادات. والواضح أن الذين قتلوه أياً كانوا لم يخرجوا عن الإجماع العربي على رفض زيارته للدولة
الصهيونية الذي قرره مؤتمر
بغداد، ولم يزيدوا على أن ترجموا عملياً، ما قرره الزعماء نظرياً، وحضوا عليه الشعب المصري من خلال ثلاث إذاعات من ثلاث عواصم غير الوسائل الأخرى، وهو أنه خان الأمة في أقدس قضاياها وأن الواجب على الشعب المصري التخلص منه!!
وكان
السادات قد فتح الباب لجمعيات دعوية مختلفة في الجامعات المصرية، لا تديناً ولكن لكي يقاوم الشيوعيين والناصريين، وكانت هذه الجماعات في أغلبها ارتجالية مقتصرة في دعوتها على بعض أمور الإيمان الظاهر غالباً، إلا أن هناك خلايا محدودة من خريجي السجون
الناصرية -الذين ذاقوا فيها من صنوف التعذيب ما لا يتحمله البشر- ذهب بهم الغلو إلى تكفير غيرهم، ومن ذلك تكفير الجماعات الإسلامية نفسها.
وقد اتُّهِموا بقتل الشيخ الذهبي رحمه الله وهي تهمة لم يصدقها كثير من الناس حتى أولياء الدم، وكانت أصابع الاتهام تشير إلى أجهزة الأمن التي أرادت وضع حد لهذه الجماعات بالتخلص من الشيخ ومنها معاً، وسرعان ما أطلقت حملة رهيبة من الاتهام بالهجرة والتكفير شملت كل ذي لحية وجلباب وكل ذات حجاب، وملأ
السادات السجون حيث تلاقحت الأفكار، وحلَّت الخلايا العنقودية - كما وصفها
هيكل - محل الجمعيات الارتجالية، ثم كان قتله إيذاناً بدخول مرحلة جديدة من الاضطهاد، وهكذا أفسح المجال لنشوء أو توسع جماعات جديدة تنتهج المقاومة المسلحة للتغيير ومنها "الجهاد" و"الجماعة الإسلامية".